روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | وجدت ما وعدني ربي.. حقا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > وجدت ما وعدني ربي.. حقا


  وجدت ما وعدني ربي.. حقا
     عدد مرات المشاهدة: 4266        عدد مرات الإرسال: 0

انتهت معركة بدر بانتصار المسلمين، وبهزيمة ساحقة للمشركين، وكان قتلى المشركين سبعين رجلا، وأسِر منهم سبعون، وكان أكثرهم من قادة قريش وزعمائهم، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا، منهم ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، ولما انهزم المشركون أرسل رسول الله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة ليبشرا المسلمين في المدينة بنصر الله. .

وقد تلقى المسلمون الخبر بسرور كبير، وقد ذكر أسامة بن زيد ـ  رضي الله عنه ـ  أنه لم يصدق الخبر إلى أن رأى الأسرى، وقد علت الدهشة الناس، إذ لم يصدقوا في البداية أن قريشا قد هُزِمت، وأن زعماءها قد أصبحوا بين قتيل وأسير، وتحطم كبرياؤهم وجبروتهم، وظهرت حقيقة آلهتهم الزائفة، وعقائدهم الباطلة. .

ومن المعلوم أن الأنبياء ـ  عليهم الصلاة والسلام ـ  لا يعلمون الغيب، ولا اطلاع لهم على شيء منه، فقد قال الله تعالى:  {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} (الأنعام: 50). .

وكما جاءت الأدلة تدل على أن الله ـ  تبارك وتعالى ـ  قد اختص بمعرفة علم الغيب، وأنه استأثر به دون خلقه، جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم , وجعله معجزة لهم، ودلالة صادقة على نبوتهم، قال تعالى:  {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (الجن: 26، 27) .

وقد اشتهر وانتشر أمره - صلى الله عليه وسلم - بإطلاع الله له على بعض المغيبات، وكان لأحداث غزوة بدر نصيب من تلك المعجزات الغيبية، ومنها: 

إخباره ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  عن مصرع الطغاة ورؤوس الكفر وأسمائهم وأماكن مصرعهم قبل المعركة.

عن أنس ـ  رضي الله عنه ـ  قال:  (كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت رجلا حديد البصر فرأيته، وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، قال: فجعلت أقول لعمر أما تراه؟ ، فجعل لا يراه، قال:  يقول عمر:  سأراه وأنا مستلق على فراشي، ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر، فقال:  إن رسول الله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول: 

هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، قال:  فقال عمر:  فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  ، قال:  فجعلوا في بئر بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  حتى انتهى إليهم فقال:  يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا، فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا، قال عمر:  يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ ! ، قال:  ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليَّ شيئا) (مسلم) .

وقال قتادة ـ  في رواية البخاري ـ :  " أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما ". .

وفي وقوف رسول الله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  على فم البئر ينادي قتلى المشركين ويكلمهم بعد موتهم عظة وعبرة، إذ أنهم الآن بعد قتلهم وموتهم في حياة جديدة، هي حياة البرزخ الخاصة، التي لا ندري حقيقتها وكيفيتها، وهو أمر يتعلق بعالم الغيب.

فالإيمان بهذه الحياة وما يحدث فيها من عقائد المسلمين، فنعيم القبر وعذابه ثابتان في صحيح الأحاديث، من ذلك قوله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  حينما مرَّ بقبرين:  (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير) (البخاري) ، فأثبت ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  عذاب القبر، وأخبر أن سبب تعذيبهما النم بين الناس وعدم الاستنزاه من البول.

وعن أنس ـ  رضي الله عنه ـ  أن النبي ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  قال:  (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر) (مسلم) .

فعذاب القبر أمرٌ غيبي، والأمور الغيبية مجالها الاعتقاد، لأنَّهَا لا تُدرَك بالعقول، فيجب الإيمان بها والتسليم، بعد أن تحدث عنها الصادق ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  ووصلتنا بطريق ثابت صحيح. .

وكما شهد الصحابة ـ  رضوان الله عليهم ـ  نزول الملائكة في بدر، هاهم الآن يشهدون حوار رسول الله ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  مع صناديد الكفر ـ  بعد قتلهم ـ  وقد انتهت المعركة ـ  ، يعرفهم مصيرهم الأسود، ويحدثهم أنه قد وجد ما وعده ربه حقا، فقد تكلل النصر، وتحقق الوعد، وهاهي جثثهم منتنة في أحد آبار بدر، وفي ذلك إعلان لانتصار الإيمان على الكفر، وعلو الحق على الباطل. .

وكم زرع هذا الحدث في نفوس المسلمين من الثقة واليقين، والسعادة الغامرة، وهم يشهدون ويسمعون هذا الحوار من رسولهم وقائدهم ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  مع زعماء الكفر، أن قد وجد ما وعده ربه حقا من النصر والتمكين، فهل وجدوا ما وعدهم ربهم حقا، ويأتي الجواب الصامت منهم أن قد وجدوا ما أخبر به ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  ، ولكنهم لا يستطيعون الكلام. .

إن إخبار الرسول ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  عن مصارع الطغاة في بدر ومخاطبتهم بعد قتلهم، درس من مدرسة بدر الكبرى، التي يجب على المسلمين في جميع العصور أن يقفوا أمامه، لينظروا من خلاله إلى المعايير الإيمانية في مواجهة الحق مع الباطل، وكيف أن الفئة المؤمنة ـ  القليلة العدد والعتاد والمستضعفة في الأرض ـ  حين تسلحت بالإيمان بالله.

وأخلصت لربها، وأطاعت نبيها ـ  صلى الله عليه وسلم ـ  وثبتت أمام الفتن والابتلاءات، وتخلصت من الأهواء والشهوات، فإن الله تعالى أعزَّها ونصرها على زعماء الكفر، وتحقق لها النصر الذي وعد الله به عباده، قال الله تعالى:  {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات173: 171) . .
 
المصدر: موقع إسلام ويب